تزامنا مع الدخول المدرسي، تستأنف "مؤسسات" الدعم والتقوية العمل أيضا، وتستقطب عددا من التلاميذ، من خلال الإشهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بواسطة اللافتات المعلقة في الشارع.
دروس الدعم والتقوية هي دروس إضافية يلقيها أستاذة في جميع المواد الدراسية، خارج الجدول المدرسي، بهدف تعزيز التعلمات وتسهيل استيعاب الدروس والمقررات. هذه الدروس لم تعد مقتصرة على تلامذة الابتدائي والإعدادي والثانوي، بل تجاوزت ذلك إلى طلاب الجامعات، الذين أصبحوا يتلقون أيضا دروسا إضافية غير المحاضرات.
الإقبال المتزايد على دروس "الدعم والتقوية" يدفع إلى طرح إشكالية نجاعة هذه الدروس ومدى قدرتها على مساعدة التلاميذ على تحسين التحصيل، وما إذا كانت، على العكس من ذلك، تؤثر على تحصليهم العلمي بشكل سلبي، والتساؤل عن إطارها القانوني.
رحال بوبريك، أستاذ الأنثروبولوجيا الباحث في جامعة محمد الخامس، يرى أن "دروس الدعم والتقوية هي إحدى تجليات فشل التعليم، وقد أصبحت آفة من آفات المدارس العمومية، وحتى المدارس الخاصة التي يجب عدم استثنائها".
وأردف الخبير: "الاستثناء هو أن يلتجئ بعض التلاميذ إلى الدعم لظروف خاصة كصعوبة التحصيل والاستيعاب، لكن الآن لم يعد هذا استثناء، بل أصبح القاعدة، وباتت المدرسة شبيهة بحراسة، ويجب على التلميذ بذلك أن يتعلم خارج الفصل، لهذا السبب أضحت دروس الدعم شيئا مألوفا داخل المنظومة التعليمية رغم أنه لا يجب أن يكون ذلك عاديا".
وصف رحال بوبريك اللجوء إلى الدروس المؤدى عنها بـ"الموضة"، وصرح بأن "الكثير من العائلات ترغم أبناءها على تلقي الدروس الإضافية خارج الزمن المحدد وخارج المؤسسة من أجل الحصول على (المعدل الأجود) في إطار التنافس بين العائلات، وكذلك التنافس الاجتماعي".
وبخصوص المسؤولية في ذلك، أكد المتحدث أنها "مشتركة بين الأستاذ المربي الذي يجب أن يبذل مجهودا من أجل شرح وإيصال المعلومة إلى التلاميذ بمختلف مستوياتهم، مع عدم التعميم، والآباء الذين يسايرون موضة دروس التقوية والدعم والبحث عن الجودة خارج المؤسسة".
وتطرق المتحدث إلى الجانب المادي للدروس المؤدى عنها، مؤكدا أن "الأساتذة أصبحوا يتخذون منها موردا ماليا إضافيا من أجل تحسين الدخل"، وأشار إلى المدرسة الخصوصية بقوله: "الآفة الأخرى هي أن العائلات تؤدي ثمنا مرتفعا من أجل تعليم أبنائها في المدارس الخصوصية، وهذه المدارس نفسها تطالب بالثمن مقابل ذلك الدعم، بما يعني أنها غدت تجارة بالنسبة للمدارس الخاصة".
وفي السياق نفسه، شدد بوبريك على وجوب "دق ناقوس الخطر لأنها أزمة متشابكة يجب أن يكون حلها بنيويا"، وفسر قائلا: "يجب نهج إصلاحات جوهرية تجعل التلميذ يطور من تحصيله العلمي، وإن كان لا بد من دروس الدعم والتقوية، فيجب أن تكون استثنائية مع مواكبة بعض التلاميذ الذين يعانون من النقص في بعض المواد، ولكن لمدة محددة، يعني أن لا يتلقى التلميذ دروس الدعم طيلة السنة لكي لا يكون بذلك هذا التلقين غير نافع".
موقف الباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع لم يكن مختلفا؛ إذ يرى الأستاذ أبو بكر حركات، أخصائي نفسي باحث في علم الاجتماع، أن "التلميذ يجب أن يحصل على دروس الدعم والتقوية في المواد التي يعاني من صعوبة في فهمها واستيعابها، لأننا أصبحنا نرى التلاميذ يذهبون إلى المدرسة بدون تحفيز وعلى مضض".
وزاد قائلا إن "الطريقة التي تتم بها الدروس المؤدى عنها غير سليمة، لأن قسم الدعم الذي يحوي أكثر من 30 تلميذا مشابه للمدرسة، لذلك يجب أن تكون إما بطريقة فردية أو ألاّ تتجاوز أربعة تلاميذ، لكي تسهل عملية التلقين والتلقي في الآن ذاته".
وأوضح حركات أن المقصود بذلك هو أن "الأستاذ يعطي معلومات مركزة لكل تلميذ حسب النقص الذي يعاني منه، والشيء نفسه بالنسبة للتلميذ الذي تتيسر له عملية الفهم عندما يتوجه إليه الدرس بشكل فردي، ويستفيد بذلك بشكل أفضل".
في السياق ذاته، ومن الناحية القانونية للموضوع، تجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي أصدرت مذكرة في هذا الصدد تؤكد أن الدروس الخصوصية ممارسة منهيٌّ عنها، فضلا عن أنها تخالف مقتضيات القانون الأساسي للوظيفة العمومية، حيث ينص الفصل 15 منه على أنه "يمنع على الموظف أن يزاول بصفة مهنية أي نشاط حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته، تحت طائلة المتابعة التأديبية". ومن المعلوم أن الدروس المؤدى عنها تدخل في إطار المهن الحرة.
وورد في نص المذكرة أيضا أن "للدروس الخصوصية انعكاسات سلبية؛ فهي تثقل كاهل الأسر وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص، في الوقت الذي تحرص فيه الوزارة على المجانية، كما أنها مرهقة للمتعلم؛ تنضاف للزمن المدرسي الأصلي".
إرسال تعليق